أحدثت جائحة كورونا تحولًا عميقًا في مختلف مناحي الحياة، ولم يكن قطاع التدريب بمنأى عن هذه التغييرات. فمع انتشار الفيروس وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، اضطرت المؤسسات التعليمية والتدريبية في العالم العربي إلى إعادة النظر في أساليبها التقليدية، والبحث عن بدائل تضمن استمرارية العملية التدريبية. ومع مرور الوقت، أصبح واضحًا أن هذه التغييرات لم تكن مجرد حلول مؤقتة، بل مثلت نقلة نوعية في مفهوم التدريب ذاته.
شهد العالم العربي انتشارًا واسعًا لمنصات التعلم الإلكتروني التي أتاحت للمتدربين المشاركة في الدورات وورش العمل من أي مكان وفي أي وقت. ولم يعد التدريب يقتصر على المحاضرات التقليدية، بل توسع ليشمل مجموعة متنوعة من الأساليب التفاعلية، مثل العروض التقديمية التفاعلية، ومقاطع الفيديو التعليمية، والاختبارات القصيرة عبر الإنترنت، والمنتديات النقاشية، مما زاد من جاذبية العملية التدريبية وساهم في توسيع نطاق المشاركة.
لكن هذه التطورات الإيجابية لا تخفي بعض التحديات التي ما زالت تواجه قطاع التدريب في العالم العربي. فالفجوة الرقمية تعوق وصول شريحة كبيرة من المتدربين إلى فرص التعلم عن بعد، سواء بسبب ضعف البنية التحتية أو عدم توفر الأجهزة اللازمة. كما أن التدريب عن بعد قد يؤدي إلى قلة التفاعل بين المتدربين والمُدرب، مما يؤثر على فاعلية العملية التدريبية وينعكس سلبًا على تحصيل المتدربين.
علاوة على ذلك، فإن التحول السريع إلى التدريب عن بعد كشف عن نقص في الكفاءات التدريبية القادرة على توظيف التكنولوجيا بفعالية في العملية التدريبية. كما أن بعض المؤسسات التدريبية لم تستثمر بشكل كافٍ في تطوير برامج تدريبية تتناسب مع بيئة التعلم عن بعد، مما أثر على جودة بعض الدورات التدريبية.
ومع ذلك، فإن التحديات التي واجهها قطاع التدريب في العالم العربي بعد جائحة كورونا لا تقلل من أهمية التطورات التي شهدها. فقد أثبتت هذه التجربة قدرة المؤسسات التعليمية والتدريبية على التكيف مع الظروف المتغيرة، واستثمار التكنولوجيا لتحقيق أهدافها. ومن المتوقع أن يستمر التوجه نحو دمج التعلم الوجاهي والتعلم عن بعد في المستقبل، مما سيخلق فرصًا جديدة للتطوير و الابتكار في مجال التدريب.
ختامًا، يمكن القول إن جائحة كورونا قد سرّعت من وتيرة التحول الرقمي في قطاع التدريب في العالم العربي. ورغم التحديات المتعددة، فإن هذه التجربة فتحت آفاقًا جديدة للتطوير والتحديث، ومن المهم أن تستمر الجهود لتعزيز البنية التحتية الرقمية، وتطوير الكفاءات التدريبية، وتوفير برامج تدريبية ذات جودة عالية، لضمان استفادة جميع المتدربين من فرص التعلم والتطوير.